ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ )) ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ (( ﻻﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺠﻮﺯﻳﺔ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻣﺎ
ﻣﺨﺘﺼﺮﻩ :
ﻭﻟﻠﻤﻌﺎﺻﻲ ﻣﻦ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﻘﺒـﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺔ ، ﺍﻟﻤﻀﺮﺓ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﺒﺪﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ
ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠَّﻪ .
-1 ﻓﻤﻨﻬـــﺎ : ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻌـﻠﻢ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻧﻮﺭ ﻳﻘﺬﻓﻪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ،
ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺗﻄﻔﺊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ ،
ﻭﻟﻤﺎ ﺟﻠﺲ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺑـﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺎﻟﻚ ، ﻭﻗﺮﺃ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻋﺠﺒﻪ ﻣﺎ
ﺭﺃﻯ ﻣﻦ ﻭﻓﻮﺭ ﻓﻄﻨﺘﻪ ، ﻭﺗﻮﻗﺪ ﺫﻛﺎﺋﻪ ، ﻭﻛﻤﺎﻝ ﻓﻬﻤﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻲ ﺃﺭﻯ ﺍﻟﻠَّﻪ
ﻗﺪ ﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻚ ﻧﻮﺭًﺍ ، ﻓﻼ ﺗﻄﻔﺌﻪ ﺑﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ :
ﺷﻜﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﻭﻛـﻴــﻊ ﺳــــﻮﺀ ﺣﻔﻈﻲ
ﻭﻗـﺎﻝ : ﺍﻋﻠﻢ ﺑـﺄﻥ ﺍﻟﻌــــﻠﻢ ﻓـــﻀﻞ
ﻓـــﺄﺭﺷﺪﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺗـــــﺮﻙ ﺍﻟﻤﻌــﺎﺻﻲ
ﻭﻓﻀـﻞ ﺍﻟﻠَّــﻪ ﻻ ﻳـﺆﺗـــﺎﻩ ﻋـﺎﺻـــﻲ
-2 ﻭﻣﻨﻬـــﺎ : ﻭﺣﺸﺔ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺑـﻴﻨﻪ ﻭ ﺑـﻴﻦ ﺍﻟﻠَّﻪ
ﻻ ﻳﻮﺍﺯﻧﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﻘﺎﺭﻧﻬﺎ ﻟﺬﺓ ﺃﺻﻼً ، ﻭﻟﻮ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﻟﻪ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻟﻢ
ﺗﻒ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻳﺤﺲ ﺑﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻴﺎﺓ ، ﻭﻣﺎ ﻟﺠﺮﺡ
ﺑﻤﻴﺖ ﺇﻳﻼﻡ ، ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺇﻻ ﺣﺬﺭًﺍ ﻣﻦ ﻭﻗﻮﻉ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ،
ﻟﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﺣﺮﻳًّﺎ ﺑﺘﺮﻛﻬﺎ ، ﻭﺷﻜﺎ ﺭﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻴﻦ ﻭﺣﺸﺔ ﻳﺠﺪﻫﺎ
ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺃﻭﺣﺸﺘﻚ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ، ﻓﺪﻋﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﺷﺌﺖ
ﻭﺍﺳﺘﺄﻧﺲ .
ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻣﺮّ ﻣﻦ ﻭﺣﺸﺔ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻧﺐ ، ﻓﺎﻟﻠَّﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺎﻥ .
-3 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮ
ﻣﻨﻬﻢ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﺪ ﻭﺣﺸﺔ ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻨﻬﻢ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻗﻮﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﺑَﻌُـﺪَ
ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻣﻦ ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻬﻢ ، ﻭﺣﺮﻡ ﺑﺮﻛﺔ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﻉ ﺑﻬﻢ ، ﻭﻗﺮﺏ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ
ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ، ﻭﺗﻘﻮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﺤﻜﻢ ﻓﺘﻘﻊ
ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ﻭﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻓﺘﺮﺍﻩ ﻣﺴﺘﻮﺣﺸًﺎ
ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ .
ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ : ﺇﻧﻲ ﻷﻋﺼﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻓﺄﺭﻯ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺧـُـﻠـُﻖ ﺩﺍﺑﺘﻲ
ﻭﺍﻣﺮﺃﺗﻲ .
-4 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺗﻌﺴﻴﺮ ﺃﻣﻮﺭﻩ ، ﻓﻼ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﺇﻻ ﻭﻳﺠﺪﻩ ﻣﻐﻠﻘًﺎ ﺩﻭﻧﻪ ،
ﺃﻭ ﻣﺘﻌﺴﺮًﺍ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺍﺗﻘﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻩ ﻳﺴﺮًﺍ ،
ﻓﻤﻦ ﻋﻄﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻩ ﻋﺴﺮًﺍ ،
ﻭﻳﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻣﺴﺪﻭﺩﺓ ﻋﻨﻪ ﻣﺘﻌﺴﺮﺓ
ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺃُﺗﻲ ؟
-5 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﻇﻠﻤﺔ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻳﺤﺲ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺲ ﺑﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ
ﺍﻟﺒﻬﻴﻢ ﺇﺫﺍ ﺍﺩﻟﻬﻢّ ، ﻓﺘﺼﻴﺮ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻟﻘﻠﺒﻪ ﻛﺎﻟﻈﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﺴﻴﺔ ﻟﺒﺼﺮﻩ ،
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻧﻮﺭ ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻇﻠﻤﺔ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻗﻮﻳﺖ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺍﺯﺩﺍﺩﺕ ﺣﻴﺮﺗﻪ ،
ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻟﻀﻼﻻﺕ ﻭﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻬﻠﻜﺔ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ، ﻛﺄﻋﻤﻰ
ﺧﺮﺝ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻳﻤﺸﻲ ﻭﺣﺪﻩ ، ﻭﺗﻘﻮﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﻴﻦ ، ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻯ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻠﻮ ﺍﻟﻮﺟﻪ ، ﻭﺗﺼﻴﺮ ﺳﻮﺍﺩًﺍ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺍﻩ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ .
-6 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺗﻮﻫﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺒﺪﻥ :
ﺃﻣﺎ ﻭﻫﻨﻬﺎ ﻟﻠﻘﻠﺐ : ﻓﺄﻣﺮ ﻇﺎﻫﺮ ، ﺑﻞ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﻮﻫﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺰﻳﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ
.
ﻭﺃﻣﺎ ﻭﻫﻨﻬﺎ ﻟﻠﺒﺪﻥ : ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻗﻮﻱ ﻗﻠﺒﻪ ﻗﻮﻱ
ﺑﺪﻧﻪ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ ﻓﺈﻧﻪ - ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﻮﻱ ﺍﻟﺒﺪﻥ - ﻓﻬﻮ ﺃﺿﻌﻒ ﺷﻲﺀ ﻋﻨﺪ
ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ، ﻓﺘﺨﻮﻧﻪ ﻗﻮﺗﻪ ﺃﺣﻮﺝ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻓﺘﺄﻣﻞ ﻗﻮﺓ ﺃﺑﺪﺍﻥ ﻓﺎﺭﺱ
ﻭﺍﻟﺮﻭﻡ ﻛﻴﻒ ﺧﺎﻧﺘﻬﻢ ﺃﺣﻮﺝ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻭﻗﻬﺮﻫﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻘﻮﺓ
ﺃﺑﺪﺍﻧﻬﻢ ﻭﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ؟
-7 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ : ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺬﻧﺐ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻳﺼﺪ ﻋﻦ
ﻃﺎﻋﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺪﻟﻪ ، ﻭﻳﻘﻄﻊ ﻃﺮﻳﻖ ﻃﺎﻋﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻴﻨﻘﻄﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺮﻳﻖ ﺛﺎﻟﺜﺔ ، ﺛﻢ
ﺭﺍﺑﻌﺔ ﻭﻫﻠﻢ ﺟﺮﺍ ،
ﻓﻴﻨﻘﻄﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﻃﺎﻋﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ، ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺮﺟﻞ ﺃﻛﻞ ﺃﻛﻠﺔ ﺃﻭﺟﺒﺖ ﻟﻪ ﻣﺮﺿﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻨﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﺪﺓ ﺃﻛﻼﺕ
ﺃﻃﻴـﺐ ﻣﻨﻬﺎ ، ﻭﺍﻟﻠَّﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﺎﻥ .
-8 ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺗﻘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻤﺮ ، ﻭﺗﻤﺤﻖ ﺑﺮﻛﺘﻪ ﻭﻻ ﺑﺪ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺒﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻓﺎﻟﻔﺠﻮﺭ ﻳﻨﻘﺼﻪ ، ﻭﺳﺮ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ : ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺪﺓ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،
ﻭﻻ ﺣﻴﺎﺓ ﻟﻪ ﺇﻻ ﺑﺈﻗﺒﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ ، ﻭﺍﻟﺘﻨﻌﻢ ﺑﺤﺒﻪ ﻭﺫﻛﺮﻩ ، ﻭﺇﻳﺜﺎﺭ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ .
-9 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺗﺰﺭﻉ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ، ﻭﻳﻮﻟﺪ ﺑﻌﻀُﻬﺎ ﺑﻌﻀًﺎ ، ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺰ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻔﺎﺭﻗﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ * ﺇﻥ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ : ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،
* ﺇﻥ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ : ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺪﻫﺎ .
-10 ﻭﻣﻨﻬـﺎ : ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺧﻮﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ، ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ
ﻓﺘﻘﻮﻯ ﻓﻴﻪ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ، ﻭﺗﻀﻌﻒ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
ﺗﻨﺴﻠﺦ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ، ﻓﻠﻮ ﻣﺎﺕ ﻧﺼﻔﻪ ﻟﻤﺎ ﺗﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ،
ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺗﻮﺑﺔ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑـﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎﻥ ﺑﺸﻲﺀ ﻛﺜﻴﺮ ، ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻣﻌﻘﻮﺩ
ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻣﺼﺮّ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻋﺎﺯﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﻗﻌﺘﻬﺎ ﻣﺘﻰ ﺃﻣﻜﻨﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ
ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻭﺃﻗﺮﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙ .
-11 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺴﻠﺦ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﺣﻬﺎ ، ﻓﺘﺼﻴﺮ ﻟﻪ ﻋﺎﺩﺓ ، ﻓﻼ
ﻳﺴﺘﻘﺒﺢ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻪ ، ﻭﻻ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻋﻨﺪ ﺃﺭﺑﺎﺏ
ﺍﻟﻔﺴﻮﻕ ﻫﻮ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻪ ﻭﺗﻤﺎﻡ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ،
ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻋﻤﻠﻬﺎ ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﻓﻼﻥ ، ﻋﻤﻠﺖ ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ
، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳُﻌﺎﻓﻮﻥ ، ﻭﺗﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ، ﻭﺗﻐﻠﻖ
ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻨﺒـﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : )) ﻛﻞ ﺃﻣﺘﻲ ﻣﻌﺎﻓﻰ ﺇﻻ
ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺮﻭﻥ ، ﻭﺇﻥ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﻬﺎﺭ : ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ، ﺛﻢ ﻳﺼﺒﺢ ﻳﻔﻀﺢ
ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﻳﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﻓﻼﻥ ، ﻋﻤﻠﺖ ﻳﻮﻡ ﻛﺬﺍ ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ ﻓﻴﻬﺘﻚ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﻗﺪ
ﺑﺎﺕ ﻳﺴﺘﺮﻩ ﺭﺑﻪ (( .
-12 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻫﻲ ﻣﻴﺮﺍﺙ ﻋﻦ ﺃﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ
ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻫﻠﻜﻬﺎ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ،
ﻓﺎﻟﻠﻮﻃﻴﺔ : ﻣﻴﺮﺍﺙ ﻋﻦ ﻗﻮﻡ ﻟﻮﻁ ، ﻭﺃﺧﺬ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺰﺍﺋﺪ ﻭﺩﻓﻌﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎﻗﺺ :
ﻣﻴﺮﺍﺙ ﻋﻦ ﻗﻮﻡ ﺷﻌﻴـﺐ ،
ﻭﺍﻟﻌﻠﻮ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﻔﺴﺎﺩ : ﻣﻴﺮﺍﺙ ﻋﻦ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻗﻮﻡ ﻓﺮﻋﻮﻥ ، ﻭﺍﻟﺘﻜﺒﺮ
ﻭﺍﻟﺘﺠﺒﺮ : ﻣﻴﺮﺍﺙ ﻋﻦ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ، ﻓﺎﻟﻌﺎﺻﻲ ﻻﺑﺲ ﺛﻴﺎﺏ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻢ ﻭﻫﻢ
ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺍﻟﻠَّﻪ .
ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻯ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ )) ﺍﻟﺰﻫﺪ (( ﻷﺑـﻴﻪ ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ
ﺩﻳﻨﺎﺭ
ﻗﺎﻝ : ﺃﻭﺣﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﺒـﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﺒـﻴﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺃﻥ ﻗﻞ ﻟﻘﻮﻣﻚ : ﻻ
ﺗﺪﺧﻠﻮﺍ ﻣﺪﺍﺧﻞ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ ، ﻭﻻ ﺗﻠﺒﺴﻮﺍ ﻣﻼﺑﺲ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ ، ﻭﻻ ﺗﺮﻛﺒﻮﺍ ﻣﺮﺍﻛﺐ
ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ ، ﻭﻻ ﺗﻄﻌﻤﻮﺍ ﻣﻄﺎﻋﻢ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ ، ﻓﺘﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻢ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ .
-13 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺳﺒـﺐ ﻟﻬﻮﺍﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ ﻭﺳﻘﻮﻃﻪ ﻣﻦ
ﻋﻴﻨﻪ .
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﻱ : ﻫﺎﻧﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻌﺼﻮﻩ ، ﻭﻟﻮ ﻋﺰُّﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻌﺼﻤﻬﻢ ،
ﻭﺇﺫﺍ ﻫﺎﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺮﻣﻪ ﺃﺣﺪ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻭَﻣَﻦ ﻳُﻬِﻦِ ﺍﻟﻠَّﻪُ
ﻓَﻤَﺎ ﻟَﻪُ ﻣِﻦ ﻣُّﻜْﺮِﻡٍ] [ ﺍﻟﺤﺞ : 18 ] ،
ﻭﺇﻥ ﻋﻈﻤﻬﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ( ﻟﺤﺎﺟﺘﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﻭ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﻫﻢ ) ،
ﻓﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺃﺣﻘــﺮ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﻫﻮﻧﻪ .
-14 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﻬﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺗﺼﻐﺮ
ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﻬﻼﻙ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﻛﻠﻤﺎ
ﺻﻐــﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ،
ﻋﻈـﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،
ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻓﻲ )) ﺻﺤﻴﺤﻪ (( ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ - ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -
ﻗﺎﻝ :
)) ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺮﻯ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺻﻞ ﺟﺒﻞ ﻳﺨﺎﻑ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ،
ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ ﻳﺮﻯ ﺫﻧﻮﺑﻪ ﻛﺬﺑﺎﺏ ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻪ ﻫﻜﺬﺍ ﻓﻄﺎﺭ (( .
-15 ﻭﻣﻨﻬــﺎ : ﺃﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﺏ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺆﻡ ﺫﻧﺒﻪ ، ﻓﻴﺤﺘﺮﻕ
ﻫﻮ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﺑﺸﺆﻡ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ .
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ : ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺒﺎﺭﻯ ( ﻃﺎﺋﺮ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺟﺎﺝ ﺍﻷﻫﻠﻲ ) ﻟﺘﻤﻮﺕ ﻓﻲ
ﻭﻛﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ .
ﻭﻗﺎﻝ ﻣﺠﺎﻫﺪ : ﺇﻥ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺗﻠﻌﻦ ﻋﺼﺎﺓ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺇﺫﺍ ﺍﺷﺘﺪﺕ ﺍﻟﺴَّﻨَﺔُ ﻭﺃﻣﺴﻚ
ﺍﻟﻤﻄﺮ ، ﻭﺗﻘﻮﻝ : ﻫﺬﺍ ﺑﺸﺆﻡ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ .
ﻭﻗﺎﻝ ﻋﻜﺮﻣﺔ : ﺩﻭﺍﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻫﻮﺍﻣﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺨﻨﺎﻓﺲ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺭﺏ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ :
ﻣﻨﻌﻨﺎ ﺍﻟﻘﻄﺮ ﺑﺬﻧﻮﺏ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ .
ﻓﻼ ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻋﻘﺎﺏ ﺫﻧﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻳـﺒﻮﺀ ﺑﻠﻌﻨﺔ ﻣﻦ ﻻ ﺫﻧﺐ ﻟﻪ .
-16 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺗﻮﺭﺙ ﺍﻟﺬﻝ ﻭﻻ ﺑﺪ ،
ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺰ ﻛﻞ ﺍﻟﻌﺰ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻣَﻦ ﻛَﺎﻥَ ﻳُﺮِﻳﺪُ ﺍﻟْﻌِﺰَّﺓَ ﻓَﻠِﻠَّﻪِ ﺍﻟْﻌِﺰَّﺓُ ﺟَﻤِﻴﻌًﺎ ] [ ﻓﺎﻃﺮ : 10 ] ،
ﺃﻱ : ﻓﻠﻴﻄﻠﺒﻬﺎ ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ ،
ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺩﻋﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ : ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰﻧﻲ ﺑﻄﺎﻋﺘﻚ ﻭﻻ ﺗﺬﻟﻨﻲ ﺑﻤﻌﺼﻴﺘﻚ .
-17 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺗﻔﺴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ،
ﻓﺈﻥ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻧﻮﺭًﺍ ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺗﻄﻔﺊ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻻ ﺑﺪ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻃﻔﺊ ﻧﻮﺭﻩ
ﺿﻌﻒ ﻭﻧﻘﺺ .
ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ : ﻣﺎ ﻋﺼﻰ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺃﺣﺪٌ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴـﺐ ﻋﻘﻠﻪ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻮ ﺣﻀﺮﻩ
ﻋﻘﻠﻪ ﻟﺤﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﺮﺏ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﺗﺤﺖ ﻗﻬﺮﻩ ، ﻭﻫﻮ
ﻣﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﺎﻃﻪ ، ﻭﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ﺷﻬﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺎﻇﺮﻭﻥ ﺇﻟﻴﻪ
ﻭﻭﺍﻋﻆ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻨﻬﺎﻩ ، ﻭﻭﺍﻋﻆ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻳﻨﻬﺎﻩ ، ﻭﻭﺍﻋﻆ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻳﻨﻬﺎﻩ ، ﻭﺍﻟﺬﻱ
ﻳﻔﻮﺗﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﺑﻬﺎ ،
ﻓﻬﻞ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻬﺎﻧﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻭﺍﻻﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺑﻪ ﺫﻭ ﻋﻘﻞ ﺳﻠﻴﻢ ؟!
-18 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺇﺫﺍ ﺗﻜﺎﺛﺮﺕ ﻃُﺒِﻊَ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ، ﻓﻜﺎﻥ ﻣﻦ
ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ،
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻠﻒ
ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻛَﻼَّ ﺑَﻞْ ﺭَﺍﻥَ ﻋَﻠَﻰ ﻗُﻠُﻮﺑِﻬِﻢ ﻣَّﺎ ﻛَﺎﻧُﻮﺍ ﻳَﻜْﺴِﺒُﻮﻥَ ]
[ ﺍﻟﻤﻄﻔﻔﻴﻦ : 14] ،
ﻗﺎﻝ : ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻧﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺬﻧﺐ .
-19 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺗُﺪْﺧِﻞُ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺗﺤﺖ ﻟﻌﻨﺔ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ .
-20 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺣﺮﻣﺎﻥ ﺩﻋﻮﺓ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﺩﻋﻮﺓ
ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻣﺮ ﻧﺒـﻴﻪ ﺑﺄﻥ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺎﺕ ،
ﻭﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳَﺤْﻤِﻠُﻮﻥَ ﺍﻟْﻌَﺮْﺵَ ﻭَﻣَﻦْ ﺣَﻮْﻟَﻪُ ﻳُﺴَﺒِّﺤُﻮﻥَ ﺑِﺤَﻤْﺪِ ﺭَﺑِّﻬِﻢْ
ﻭَﻳُﺆْﻣِﻨُﻮﻥَ ﺑِﻪِ ﻭَﻳَﺴْﺘَﻐْﻔِﺮُﻭﻥَ ﻟِﻠَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺭَﺑَّﻨَﺎ ﻭَﺳِﻌْﺖَ ﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺭَّﺣْﻤَﺔً ﻭَﻋِﻠْﻤًﺎ
ﻓَﺎﻏْﻔِﺮْ ﻟِﻠَّﺬِﻳﻦَ ﺗَﺎﺑُﻮﺍ ﻭَﺍﺗَّﺒَﻌُﻮﺍ ﺳَﺒِﻴﻠَﻚَ ﻭَﻗِﻬِﻢْ ﻋَﺬَﺍﺏَ ﺍﻟْﺠَﺤِﻴﻢِ ( 7 ) ﺭَﺑَّﻨَﺎ ﻭَﺃَﺩْﺧِﻠْﻬُﻢْ
ﺟَﻨَّﺎﺕِ ﻋَﺪْﻥٍ ﺍﻟَّﺘِﻲ ﻭَﻋَﺪﺗَّﻬُﻢ ﻭَﻣَﻦ ﺻَﻠَﺢَ ﻣِﻦْ ﺁﺑَﺎﺋِﻬِﻢْ ﻭَﺃَﺯْﻭَﺍﺟِﻬِﻢْ ﻭَﺫُﺭِّﻳَّﺎﺗِﻬِﻢْ ﺇِﻧَّﻚَ ﺃَﻧﺖَ
ﺍﻟْﻌَﺰِﻳﺰُ ﺍﻟْﺤَﻜِﻴﻢُ ( ﻭَﻗِﻬِﻢُ ﺍﻟﺴَّﻴِّﺌَﺎﺕِ ] [ ﻏﺎﻓﺮ : -7 9 ] .
-21 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻧﻮﺍﻋًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ
ﻭﺍﻟﺰﺭﻉ ﻭﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻦ ،
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻇَﻬَﺮَ ﺍﻟْﻔَﺴَﺎﺩُ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺒَﺮِّ ﻭَﺍﻟْﺒَﺤْﺮِ ﺑِﻤَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺖْ ﺃَﻳْﺪِﻱ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﻟِﻴُﺬِﻳﻘَﻬُﻢ
ﺑَﻌْﺾَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻋَﻤِﻠُﻮﺍ ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ ﻳَﺮْﺟِﻌُﻮﻥَ ] [ ﺍﻟﺮﻭﻡ : 41 ] .
-22 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻄﻔﺊ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻧﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ...
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ : ﺃﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﺍﺷﺘﺪﺕ ﻣﻼﺑﺴﺘﻪ ﻟﻠﺬﻧﻮﺏ ﺃﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ
( ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﻭﻋﻤﻮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ) ، ﻭﻗﺪ ﺗﻀﻌﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺟﺪًّﺍ ، ﺣﺘﻰ ﻻ
ﻳﺴﺘﻘﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺒـﻴﺢ ﻻ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻻ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺤﺪ ﻓﻘﺪ ﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻬﻼﻙ ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ
ﺍﻻﺳﺘﻘﺒﺎﺡ ، ﺑﻞ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻟﻔﻮﺍﺣﺶ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻭﻳﺰﻳﻨﻪ ﻟﻪ ، ﻭﻳﺪﻋﻮﻩ ﺇﻟﻴﻪ
ﻭﻳﺤﺜﻪ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺪَّﻳُﻮﺙ ﺃﺧﺒﺚ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠَّﻪ ،
ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺍﻡ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﺤﻠﻞ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﺒﻐﻲ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻭﻣﺰﻳﻨﻪ ﻟﻐﻴﺮﻩ ،
ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻤﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻠﺔ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ . ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ
ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﻭﻣﻦ ﻻ ﻏﻴﺮﺓ ﻟﻪ ، ﻓﻼ ﺩﻳﻦ ﻟﻪ .
-23 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻟﻠﻘﻠﺐ ، ﻭﻫﻮ
ﺃﺻﻞ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ، ﻭﺫﻫﺎﺑﻪ ﺫﻫﺎﺏ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﺑﺄﺟﻤﻌﻪ ، ﻭﻓﻲ )) ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ (( ﻋﻨﻪ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ : )) ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﺧﻴﺮ ﻛﻠﻪ (( .
ﻭﻗﺎﻝ : )) ﺇﻥ ﻣﻤﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ : ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺢ ﻓﺎﺻﻨﻊ
ﻣﺎ ﺷﺌﺖ (( . ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ .
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ : ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺗﻀﻌﻒ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺣﺘﻰ ﺭﺑﻤﺎ ﺍﻧﺴﻠﺦ ﻣﻨﻪ
ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ، ﺣﺘﻰ ﺭﺑﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺴﻮﺀ ﺣﺎﻟﻪ ﻭﻻ ﺑﺎﻃﻼﻋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،
ﺑﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺨﺒﺮ ﻫﻮ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻪ ﻭﻗﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ
ﺍﻧﺴﻼﺧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻭﺻﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻟﻢ ﻳـﺒﻖ ﻓﻲ ﺻﻼﺣﻪ
ﻣﻄﻤﻊ .
-24 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺗﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺮﺏ ﺟﻞَّ ﺟﻼﻟﻪ ،
ﻭﺗﻀﻌﻒ ﻭﻗﺎﺭﻩ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻻ ﺑﺪ ، ﺷﺎﺀ ﺃﻡ ﺃﺑﻰ ، ﻭﻟﻮ ﺗﻤﻜﻦ ﻭﻗﺎﺭ ﺍﻟﻠَّﻪ
ﻭﻋﻈﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻟﻤﺎ ﺗﺠﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﺻﻴﻪ . ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻫﺬﺍ :
ﺃﻧﻪ ﻳﺮﻓﻊ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻣﻬﺎﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺨﻠﻖ ، ﻓﻴﻬﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ، ﻭﻳﺴﺘﺨﻔﻮﻥ
ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮﻩ ﻭﺍﺳﺘﺨﻒ ﺑﻪ ، ﻓﻌﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻟﻠَّﻪ ﻳﺤﺒﻪ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻳﺨﺎﻓﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ﻟﻠَّﻪ
ﻭﺣﺮﻣﺎﺗﻪ ﻳﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺮﻣﺎﺗﻪ ، ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻨﺘﻬﻚ ﻋﺒﺪ ﺣﺮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻠَّﻪ ، ﻭﻳﻄﻤﻊ ﺃﻻ
ﻳﻨﺘﻬﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺮﻣﺎﺗﻪ ؟ ﺃﻡ ﻛﻴﻒ ﻳﻬﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻖ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﻻ ﻳﻬﻮﻧﻪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ؟ ﺃﻭ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﺨﻒ ﺑﻤﻌﺎﺻﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﺨﻒ ﺑﻪ ﺍﻟﺨﻠﻖ ؟
-25 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻧﺴﻴﺎﻥ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻟﻌﺒﺪﻩ ، ﻭﺗﺮﻛﻪ ، ﻭﺗﺨﻠﻴﺘﻪ
ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺷﻴﻄﺎﻧﻪ ، ﻭﻫﻨﺎﻟﻚ ﺍﻟﻬﻼﻙ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺮﺟﻰ ﻣﻌﻪ ﻧﺠﺎﺓ ،
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ] ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻟْﺘَﻨﻈُﺮْ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎ ﻗَﺪَّﻣَﺖْ
ﻟِﻐَﺪٍ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺧَﺒِﻴﺮٌ ﺑِﻤَﺎ ﺗَﻌْﻤَﻠُﻮﻥَ @ ﻭَﻻَ ﺗَﻜُﻮﻧُﻮﺍ ﻛَﺎﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻧَﺴُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﻓَﺄَﻧﺴَﺎﻫُﻢْ ﺃَﻧﻔُﺴَﻬُﻢْ ﺃُﻭْﻟَﺌِﻚَ ﻫُﻢُ ﺍﻟْﻔَﺎﺳِﻘُﻮﻥَ ] [ ﺍﻟﺤﺸﺮ : 18، 19 ] ،
ﻓﺄﺧﺒﺮ ﺃﻧﻪ ﻋﺎﻗﺐ ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺑﺄﻥ ﺃﻧﺴﺎﻩ ﻧﻔﺴﻪ ، ﺃﻱ ﺃﻧﺴﺎﻩ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ،
ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺠﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺬﺍﺑﻪ ، ﻭﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺑﺪﻳﺔ .
ﻓﺎﻟﻠَّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻌﻮﺽ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺳﻮﺍﻩ ﻭﻻ ﻳﻌﻮﺽ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀ ،
ﻭﻳﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻻ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻪ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻻ
ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀ ، ، ﻭﻳﺠﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻻ ﻳﺠﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻛﻴﻒ
ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺷﺄﻧﻪ ﻃﺮﻓﺔ ﻋﻴﻦ ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻨﺴﻰ ﺫﻛﺮﻩ
ﻭﻳﻀﻴﻊ ﺃﻣﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺴﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ . ﻓﻴﺨﺴﺮﻫﺎ ﻭﻳﻈﻠﻤﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻇﻠﻢ ، ﻓﻤﺎ ﻇﻠﻢ
ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺭﺑﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻇﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﻣﺎ ﻇﻠﻤﻪ ﺭﺑﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ .
-26 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺛﻮﺍﺏ
ﺍﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ ..
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ : ﺃﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺳﺒـﺐ ﺟﺎﻟﺐ ﻟﻜﻞ ﺧﻴﺮ ، ﻭﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ
ﻓﺴﺒـﺒﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻬﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻜﺐ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻳﺤﻮﻝ ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻨﻪ ، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻋﻤﻮﻡ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،
ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺃﺻﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ ،
ﻓﻴﺨﺮﺟﻪ ﻋﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺍﺷﺘﺪ ﺧﻮﻑ ﺍﻟﺴﻠﻒ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ
ﺑﻌﻀﻬﻢ : ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺨﺎﻓﻮﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺧﺎﻑ ﺍﻟﻜﻔﺮ .
-27 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻀﻌﻒ ﺳﻴﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ،
ﻭﺗﻌﻮﻗﻪ ﻭﺗﻮﻗﻔﻪ ﻭﺗﻌﻄﻔﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ ، ﻓﻼ ﺗﺪﻋﻪ ﻳﺨﻄﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺧﻄﻮﺓ ، ﻫﺬﺍ
ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺮﺩﻩ ﻋﻦ ﻭﺟﻬﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﺭﺍﺋﻪ .
ﻓﺎﻟﺬﻧﺐ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻤﻴﺖ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﺃﻭ ﻳﻤﺮﺿﻪ ﻣﺮﺿًﺎ ﻣﺨﻮﻓًﺎ ، ﺃﻭ ﻳﻀﻌﻒ ﻗﻮﺗﻪ ﻭﻻ
ﺑﺪ ، ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺿﻌﻔﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻌﺎﺫ ﺍﻟﻨﺒـﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻫﻲ : )) ﺍﻟﻬﻢ ، ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ، ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ ، ﻭﺍﻟﻜﺴﻞ ، ﻭﺍﻟﺠﺒﻦ ،
ﻭﺍﻟﺒﺨﻞ ، ﻭﺿﻠﻊ ﺍﻟﺪﻳﻦ ، ﻭﻏﻠﺒﺔ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ (( .
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ : ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻫﻲ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺠﺎﻟﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ
ﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﻟﺒﺔ )) ﻟﺠﻬﺪ ﺍﻟﺒﻼﺀ ، ﻭﺩﺭﻙ ﺍﻟﺸﻘﺎﺀ ، ﻭﺳﻮﺀ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ،
ﻭﺷﻤﺎﺗﺔ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ (( ، ﻭﻣﻦ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺠﺎﻟﺒﺔ ﻟﺰﻭﺍﻝ ﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﻭﺗﻘﺪﺱ ، ﻭﺗﺤﻮﻝ ﻋﺎﻓﻴﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻤﺘﻪ ﻭﺗﺠﻠﺐ ﺟﻤﻴﻊ ﺳﺨﻄﻪ .
-28 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺰﻳﻞ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﺗﺤﻞ ﺍﻟﻨﻘﻢ ، ﻓﻤﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﻋﻦ
ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻧﻌﻤﺔ ﺇﻻ ﺑﺴﺒـﺐ ﺫﻧﺐ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑـﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻋﻨﻪ :
)) ﻣﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﻼﺀ ﺇﻻ ﺑﺬﻧﺐ ، ﻭﻻ ﺭﻓﻊ ﺑﻼﺀ ﺇﻻ ﺑﺘﻮﺑﺔ (( . ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
[ ﻭَﻣَﺎ ﺃَﺻَﺎﺑَﻜُﻢ ﻣِّﻦ ﻣُّﺼِﻴﺒَﺔٍ ﻓَﺒِﻤَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺖْ ﺃَﻳْﺪِﻳﻜُﻢْ ﻭَﻳَﻌْﻔُﻮ ﻋَﻦ ﻛَﺜِﻴﺮٍ ] [ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ :
30 ] .
-29 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻴﻪ )) ﺍﻟﻠَّﻪ (( ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻋﺐ
ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ، ﻓﻼ ﺗﺮﺍﻩ ﺇﻻ ﺧﺎﺋﻔًﺎ ﻣﺮﻋﻮﺑًﺎ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﺣﺼﻦ
ﺍﻟﻠَّﻪ ﺍﻷﻋﻈﻢ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻣَﻦ ﺩﺧﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ،
ﻭﻣَﻦ ﺧﺮﺝ ﻋﻨﻪ ﺃﺣﺎﻃﺖ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺨﺎﻭﻑ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ .
-30 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻮﻗﻊ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﻓﻴﺠﺪ ﺍﻟﻤﺬﻧﺐ
ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺴﺘﻮﺣﺸًﺎ ، ﻭﻗﺪ ﻭﻗﻌﺖ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﺭﺑﻪ ، ﻭﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ
ﺍﻟﺨﻠﻖ ، ﻭﺑـﻴﻨﻪ ﻭﺑـﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻛﺜﺮﺕ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺍﺷﺘﺪﺕ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ، ﻭﺃﻣﺮُّ
ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻋﻴﺶ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺣﺸﻴﻦ ﺍﻟﺨﺎﺋﻔﻴﻦ ، ﻭﺃﻃﻴـﺐ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻋﻴﺶ ﺍﻟﻤﺴﺘﺄﻧﺴﻴﻦ .
-31 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺻﺤﺘﻪ ﻭﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺿﻪ
ﻭﺍﻧﺤﺮﺍﻓﻪ ، ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻝ ﻣﺮﻳﻀًﺎ ﻣﻌﻠﻮﻻً ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﺎﻷﻏﺬﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ
ﻭﺻﻼﺣﻪ ، ﻓﺈﻥ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻛﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻓﻲ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ .
-32 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻲ ﺑﺼﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﻭﺗﻄﻤﺲ ﻧﻮﺭﻩ ، ﻭﺗﺴﺪ ﻃﺮﻕ
ﺍﻟﻌﻠﻢ ، ﻭﺗﺤﺠﺐ ﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ .
-33 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺼﻐﺮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﺗﻘﻤﻌﻬﺎ ﻭﺗﺪﺳﻴﻬﺎ ﻭﺗﺤﻘﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ
ﺗﺼﻴﺮ ﺃﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﺃﺣﻘﺮﻩ ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﺗﻨﻤﻴﻬﺎ ﻭﺗﺰﻛﻴﻬﺎ ﻭﺗﻜﺒﺮﻫﺎ
. ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :[ ﻗَﺪْ ﺃَﻓْﻠَﺢَ ﻣَﻦ ﺯَﻛَّﺎﻫَﺎ @ ﻭَﻗَﺪْ ﺧَﺎﺏَ ﻣَﻦ ﺩَﺳَّﺎﻫَﺎ ] [ ﺍﻟﺸﻤﺲ :
9، 10 ] ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ : ﻗﺪ ﺃﻓﻠﺢ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻫﺎ ﻭﻛﺒﺮﻫﺎ ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﺃﻇﻬﺮﻫﺎ ،
ﻭﻗﺪ ﺧﺴﺮ ﻣﻦ ﺃﺧﻔﺎﻫﺎ ﻭﺣﻘﺮﻫﺎ ﻭﺻﻐﺮﻫﺎ ﺑﻤﻌﺼﻴﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ .
-34 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﺩﺍﺋﻤًﺎ ﻓﻲ ﺃﺳﺮ ﺷﻴﻄﺎﻧﻪ ، ﻭﺳﺠﻦ ﺷﻬﻮﺍﺗﻪ
، ﻭﻗﻴﻮﺩ ﻫﻮﺍﻩ ، ﻓﻬﻮ ﺃﺳﻴﺮ ﻣﺴﺠﻮﻥ ﻣﻘﻴﺪ ، ﻭﻻ ﺃﺳﻴﺮ ﺃﺳﻮﺃ ﺣﺎﻻً ﻣﻦ ﺃﺳﻴﺮ
ﺃﺳﺮﻩ ﺃﻋﺪﻯ ﻋﺪﻭ ﻟﻪ ، ﻭﻻ ﺳﺠﻦ ﺃﺿﻴﻖ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ ، ﻭﻻ ﻗﻴﺪ ﺃﺻﻌﺐ
ﻣﻦ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺓ ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻗﻠﺐ ﻣﺄﺳﻮﺭ ﻣﺴﺠﻮﻥ
ﻣﻘﻴﺪ ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺨﻄﻮ ﺧﻄﻮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﺗﻘﻴﺪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻃﺮﻗﺘﻪ ﺍﻵﻓﺎﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﺟﺎﻧﺐ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻴﻮﺩﻩ ، ﻭﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮ ، ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻼ ﺑﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻵﻓﺎﺕ ،
ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﺍﺳﺘﻮﺣﺸﺘﻪ .
ﻭﺃﺻﻞ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ : ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻵﻓﺎﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺳﺮﻉ ،
ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺑﻌﺪﺕ ﻋﻨﻪ ﺍﻵﻓﺎﺕ ، ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻣﺮﺍﺗﺐ ،
ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ، ﻓﺎﻟﻐﻔﻠﺔ ﺗﺒﻌﺪ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻠَّﻪ ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺃﻋﻈﻢ
ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ
ﻭﺍﻟﺸﺮﻙ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻛﻠﻪ .
-35 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻟﺠﺎﻩ ﻭﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﻭﻋﻨﺪ ﺧﻠﻘﻪ
.
-36 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺴﻠﺐ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺸﺮﻑ ، ﻭﺗﻜﺴﻮﻩ
ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻡ ﻭﺍﻟﺼﻐﺎﺭ ، ﻓﺘﺴﻠﺒﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﻤﺤﺴﻦ ﻭﺍﻟﺘﻘﻲ
ﻭﺍﻟﻤﻄﻴﻊ ﻭﺍﻟﻤﻨﻴـﺐ ﻭﺍﻟﻮﻟﻲ ﻭﺍﻟﻮﺭﻉ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺢ ﻭﺍﻟﻌﺎﺑﺪ ﻭﺍﻟﺨﺎﺋﻒ ﻭﺍﻷﻭَّﺍﺏ
ﻭﺍﻟﻄﻴـﺐ ﻭﺍﻟﻤﺮﺿﻰ ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ ، ﻭﺗﻜﺴﻮﻩ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮ ﻭﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻒ
ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺊ ﻭﺍﻟﻤﻔﺴﺪ ﻭﺍﻟﺨﺒـﻴﺚ ﻭﺍﻟﻤﺴﺨﻮﻁ ﻭﺍﻟﺰﺍﻧﻲ ﻭﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﻭﺍﻟﻘﺎﺗﻞ
ﻭﺍﻟﻜﺎﺫﺏ ﻭﺍﻟﺨﺎﺋﻦ ﻭﺍﻟﻠﻮﻃﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﺩﺭ ﻭﻗﺎﻃﻊ ﺍﻟﺮﺣﻢ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ، ﻓﻬﺬﻩ ﺃﺳﻤﺎﺀ
ﺍﻟﻔﺴﻮﻕ ﻭ[ ﺑِﺌْﺲَ ﺍﻻِﺳْﻢُ ﺍﻟْﻔُﺴُﻮﻕُ ﺑَﻌْﺪَ ﺍﻹﻳﻤَﺎﻥِ ] [ ﺍﻟﺤﺠﺮﺍﺕ : 11 ] ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻮﺟﺐ ﻏﻀﺐ ﺍﻟﺪﻳﺎﻥ ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ ، ﻭﻋﻴﺶ ﺍﻟﺨﺰﻱ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﻥ ، ﻭﺗﻠﻚ ﺃﺳﻤﺎﺀ
ﺗﻮﺟﺐ ﺭﺿﺎﺀ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺎﻥ ، ﻭﺗﻮﺟﺐ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ
ﺳﺎﺋﺮ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ .
-37 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺆﺛﺮ ﺑﺎﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﺼﺎﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ، ﻓﻼ ﺗﺠﺪ
ﻋﺎﻗﻠﻴﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻄﻴﻊ ﻟﻠَّﻪ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﻋﺎﺹ ﺇﻻ ﻭﻋﻘﻞ ﺍﻟﻤﻄﻴﻊ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺃﻭﻓﺮ ﻭﺃﻛﻤﻞ
، ﻭﻓﻜﺮﻩ ﺃﺻﺢ ، ﻭﺭﺃﻳﻪ ﺃﺳﺪّ ، ﻭﺍﻟﺼﻮﺍﺏ ﻗﺮﻳﻨﻪ ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺗﺠﺪ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ
ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻊ ﺃﻭﻟﻲ ﺍﻷﻟﺒﺎﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ، ﻛﻘﻮﻟﻪ : [ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﻥِ ﻳَﺎ ﺃُﻭْﻟِﻲ ﺍﻷَﻟْﺒَﺎﺏِ ]
[ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ : 197 ] .
-38 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻔﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻬﻴَّﺄ ﻷﻥ
ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻴﺔ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺧﻠﻖ ﺧﻠﻘﻪ ﻗﺴﻤﻴﻦ : ﻋﻠﻴﺔ ، ﻭﺳﻔﻠﺔ ، ﻭﺟﻌﻞ
ﻋﻠﻴـﻴﻦ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﺍﻟﻌﻠﻴﺔ ، ﻭﺃﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﺍﻟﺴﻔﻠﺔ ، ﻭﺟﻌﻞ ﺃﻫﻞ ﻃﺎﻋﺘﻪ
ﺍﻷﻋﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ، ﻭﺃﻫﻞ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ﺍﻷﺳﻔﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ .
-39 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﺮﺉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺠﺘﺮﺉ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ
ﺃﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ،
ﻓﺘﺠﺮﺉُ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ [ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ ] ﻭﺗﺠﺮﺉ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺧﺪﻣﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ
ﻭﺟﻴﺮﺍﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ﺍﻟﺒﻬﻴﻢ .
-40 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﻮﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﺣﻮﺝ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ...
ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ : ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﻌﺎﺻﻲ ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺷﺪﺓ ﺃﻭ ﻛﺮﺑﺔ ﺃﻭ ﺑﻠﻴﺔ ﺧﺎﻧﻪ ﻗﻠﺒﻪ
ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﺟﻮﺍﺭﺣﻪ ﻋﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻧﻔﻊ ﺷﻲﺀ ﻟﻪ ، ﻓﻼ ﻳﻨﺠﺬﺏ ﻗﻠﺒﻪ ﻟﻠﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻭﺍﻟﺤﻤﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﺍﻟﺘﻀﺮﻉ ﻭﺍﻟﺘﺬﻟﻞ ﻭﺍﻻﻧﻜﺴﺎﺭ ﺑـﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ
، ﻭﻻ ﻳﻄﺎﻭﻋﻪ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻟﺬﻛﺮﻩ ، ﻭﺇﻥ ﺫﻛﺮﻩ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻊ ﺑـﻴﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ ،
ﻓﻼ ﻳﻨﺤﺒﺲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺬﻛﺮ ، ﻭﻻ ﻳﻨﺤﺒﺲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ
ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ ، ﺑﻞ ﺇﻥ ﺫﻛﺮ ﺃﻭ ﺩﻋﺎ ﺑﻘﻠﺐ ﻏﺎﻓﻞ ﻻﻩ ﺳﺎﻩ ، ﻭﻟﻮ ﺃﺭﺍﺩ
ﻣﻦ ﺟﻮﺍﺭﺣﻪ ﺃﻥ ﺗﻌﻴﻨﻪ ﺑﻄﺎﻋﺔ ﺗﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﻟﻢ ﺗﻨﻘﺪ ﻟﻪ ، ﻭﻟﻢ ﺗﻄﺎﻭﻋﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ
ﻛﻠﻪ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻛﻤﺎ ﻟﻪ ﺟﻨﺪ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ، ﻓﺄﻫﻤﻞ ﺟﻨﺪﻩ
ﻭﺿﻴﻌﻬﻢ ﻭﺃﺿﻌﻔﻬﻢ ، ﻭﻗﻄﻊ ﺃﻗﻮﺍﺗﻬﻢ ، ﺛﻢ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻫﺠﻮﻡ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻋﻠﻴﻪ
ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻔﺮﻏﻮﺍ ﻭﺳﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻗﻮﺓ .
ﻫﺬﺍ ، ﻭﺛَﻢَّ ﺃﻣﺮ ﺃﺧﻮﻑ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﺩﻫﻰ ﻭﺃﻣﺮ ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺨﻮﻧﻪ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﻟﺴﺎﻧﻪ
ﻋﻨﺪ ﺍﻻﺣﺘﻀﺎﺭ ﻭﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺗﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺸﻬﺎﺩﺓ
، ﻛﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺘﻀﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﺫﻟﻚ ، ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ
ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ : ﻗﻞ )) ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠَّﻪ (( ، ﻓﻘﺎﻝ : ﺷﺎﻩ ﻭﺭﺥ ﻏﻠﺒﻚ ﺛﻢ ﻗﻀﻰ
( ﺷﺎﻩ ﻭﺭﺥ ﻗﻄﻌﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺸﻄﺮﻧﺞ . ﻭﺍﻟﻤﺤﺘﻀﺮ ﻳﺬﻛﺮﻫﻤﺎ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺃﺧﺬﺍ
ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺒﻪ ﻭﻋﻘﻠﻪ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻠﻌﺐ ) .
-41 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﺪ ﺑﻪ ﻋﺪﻭﻩ ﺍﺑﻠﻴﺲ ﻟﻌﻨﻪ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭﺟﻴﺶ ﻳﻘﻮﻳﻪ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﺑﻪ . ( ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺳﻼﺡ
ﻭﻣﺪﺩ ﻳﻤﺪ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻋﺪﺍﺀﻩ ، ﻭﻳﻌﻴﻨﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻓﻴﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻪ ﺑﺴﻼﺣﻪ ،
ﻭﺍﻟﺠﺎﻫﻞ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺴﻔﻪ )
-42 ﻭﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎﺗﻬﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻨﺴﻲ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻧﺴﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻫﻤﻠﻬﺎ
ﻭﺃﻓﺴﺪﻫﺎ ﻭﺃﻫﻠﻜﻬﺎ ، ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ : ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺴﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻧﻔﺴﻪ ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﻧﺴﻲ ﻧﻔﺴﻪ
، ﻓﺄﻱ ﺷﻲﺀ ﻳﺬﻛﺮ ؟ ﻭﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻧﺴﻴﺎﻧﻪ ﻧﻔﺴﻪ ؟
ﻗﻴﻞ : ﻧﻌﻢ ﻳﻨﺴﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻋﻈﻢ ﻧﺴﻴﺎﻥ ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻭَﻻَ ﺗَﻜُﻮﻧُﻮﺍ ﻛَﺎﻟَّﺬِﻳﻦَ
ﻧَﺴُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻓَﺄَﻧﺴَﺎﻫُﻢْ ﺃَﻧﻔُﺴَﻬُﻢْ ﺃُﻭْﻟَﺌِﻚَ ﻫُﻢُ ﺍﻟْﻔَﺎﺳِﻘُﻮﻥَ [ [ ﺍﻟﺤﺸﺮ : 19 ] ، ﻓﻠﻤﺎ
ﻧﺴﻮﺍ ﺭﺑﻬﻢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻧﺴﻴﻬﻢ ﻭﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : [ ﻧَﺴُﻮﺍْ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﻓَﻨَﺴِﻴَﻬُﻢْ ] [ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ : 67 ] ،
ﻓﻌﺎﻗﺐ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﻪ ﻋﻘﻮﺑﺘﻴﻦ :
ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ : ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻧﺴﻴﻪ ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ : ﺃﻧﻪ ﺃﻧﺴﺎﻩ ﻧﻔﺴﻪ .
ﻭﻧﺴﻴﺎﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻠﻌﺒﺪ
ﺇﻫﻤﺎﻟﻪ ﻭﺗﺮﻛﻪ ﻭﺗﺨﻠﻴﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺇﺿﺎﻋﺘﻪ ، ﻓﺎﻟﻬﻼﻙ ﺃﺩﻧﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻢ .
ﻭﺃﻣﺎ ﺇﻧﺴﺎﺅﻩ ﻧﻔﺴﻪ
ﻓﻬﻮ ﺇﻧﺴﺎﺅﻩ ﻟﺤﻈﻮﻇﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ، ﻭﺃﺳﺒﺎﺏ ﺳﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ﻭﻓﻼﺣﻬﺎ ﻭﺇﺻﻼﺣﻬﺎ ﻭﻣﺎ
ﻳﻜﻤﻠﻬﺎ ، ﻳﻨﺴﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﺟﻤﻴﻌﻪ ، ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺮﻩ ﺑـﺒﺎﻟﻪ ، ﻭﻻ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮﻩ ،
ﻭﻻ ﻳﺼﺮﻑ ﺇﻟﻴﻪ ﻫﻤﺘﻪ ﻓﻴﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﺮ ﺑـﺒﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺼﺪﻩ ﻭﻳﺆﺛﺮﻩ
. ﻭﺃﻳﻀًﺎ ﻳﻨﺴﻴﻪ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻧﻘﺼﻬﺎ ﻭﺁﻓﺎﺗﻬﺎ ، ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺮ ﺑـﺒﺎﻟﻪ ﺇﺯﺍﻟﺘﻬﺎ
ﻭﺇﺻﻼﺣﻬﺎ .
-43 ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻀﻨﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ﻭﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ،
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :[ ﻭَﻣَﻦْ ﺃَﻋْﺮَﺽَ ﻋَﻦ ﺫِﻛْﺮِﻱ ﻓَﺈِﻥَّ ﻟَﻪُ ﻣَﻌِﻴﺸَﺔً ﺿَﻨﻜًﺎ ﻭَﻧَﺤْﺸُﺮُﻩُ ﻳَﻮْﻡَ
ﺍﻟْﻘِﻴَﺎﻣَﺔِ ﺃَﻋْﻤَﻰ ] [ ﻃﻪ : 124 ] ، ﻭﻗﺪ ﻓﺴﺮﺕ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻀﻨﻚ ﺑﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﻘﺒﺮ
، ﻭﻻ ﺭﻳـﺐ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻀﻨﻚ ، ﻭﺍﻵﻳﺎﺕ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻋﻢ ﻣﻨﻪ ، ﻭﺇﻥ
ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻜﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻹﺛﺒﺎﺕ ، ﻓﺈﻥ ﻋﻤﻮﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ،
ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺭﺗﺐ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻀﻨﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻋﺮﺍﺽ ﻋﻦ ﺫﻛﺮﻩ ، ﻓﺎﻟﻤﻌﺮﺽ ﻋﻨﻪ
ﻟﻪ ﻣﻦ ﺿﻨﻚ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺑﺤﺴﺐ
ﺇﻋﺮﺍﺿﻪ ، ﻭﺇﻥ ﺗﻨﻌﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺻﻨﺎﻑ ﺍﻟﻨﻌﻢ ، ﻓﻔﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺣﺸﺔ ﻭﺍﻟﺬﻝ
ﻭﺍﻟﺤﺴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻄﻊ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ
ﻭﺍﻷﻣﺎﻧﻲ ﺍﻟﺒﺎﻃﻠﺔ ﻭﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﺘﻮﺍﺭﻯ ﻋﻨﺪ ﺳﻜﺮﺍﺕ
ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ، ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻨﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺳﻜﺮ ﺍﻟﺨﻤﺮ
، ﻓﺴﻜﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺳﻜﺮ ﺍﻟﺨﻤﺮ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻴﻖ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻭﻳﺼﺤﻮ ،
ﻭﺳﻜﺮ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳﺼﺤﻮ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﺳﻜﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ،
ﻓﺎﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻀﻨﻚ ﻻﺯﻣﺔ ﻟﻤﻦ ﺃﻋﺮﺽ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻟﻪ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻩ ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ ، ﻭﻳﻮﻡ ﻣﻌﺎﺩﻩ ،
ﻭﻻ ﺗﻘﺮ ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻭﻻ ﻳﻬﺪﺃ ﺍﻟﻘﻠﺐ ، ﻭﻻ ﺗﻄﻤﺌﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺇﻻ ﺑﺈﻻﻫﻬﺎ ﻭﻣﻌﺒﻮﺩﻫﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺣﻖ ،
ﻭﻛﻞ ﻣﻌﺒﻮﺩ ﺳﻮﺍﻩ ﺑﺎﻃﻞ ،
ﻓﻤﻦ ﻗﺮﺕ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﺎﻟﻠَّﻪ ﻗﺮﺕ ﺑﻪ ﻛﻞ ﻋﻴﻦ ،
ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻘﺮ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﺎﻟﻠَّﻪ ﺗﻘﻄﻌﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﺮﺍﺕ .
ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ :
ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﻴﻦ ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠَّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ
،
ﺗﻌﻠﻢ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻋﻠﻤًﺎ ﻳﻘﻴﻨًﺎ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ، ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻭﻋﻨﻮﺍﻧﻬﺎ
ﻭﺃﻧﻤﻮﺫﺟﻬﺎ ،
ﻭﺃﻥ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺸﻘﺎﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺪﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻭﺿﺪﻫﺎ ،
ﻓﻤﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺬﻧﻮﺏ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ، ﻭﺑﺎﻟﻠَّﻪ
ﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ . ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ
ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﺃﺣﻴﻄﻚ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ ﻭﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ
ﺍﻟﺸﺮﺡ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ )) ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ
ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ (( ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺠﻮﺯﻳﺔ .
ﻣﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﻓﻔـــﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻟﻠﺸﻴﺦ / ﺃﺑﻲ ﺫﺭ ﺍﻟﻘﻠﻤﻮﻧﻲ